الحرب السورية: نساء مضطرات لإنهاء الزواج من رجال غائبين وأخريات يتمسكن بأمل عودتهم

خلال أعوام الحرب السورية التسعة اختفى آلاف الرجال ولم يعثر بعد على أي أثر لهم، وتركوا وراءهم زوجات وأولاد تتقاذفهم صعوبات الحياة.

لا توجد أرقام دقيقة لأعداد أولئك المفقودين أو المختفين قسرياً في سوريا، لكن تقديرات الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية تقول إن هناك ما بين 20 ألفاً و 100 ألف مختف ومفقود، معظمهم من الرجال.

وتشمل هذه التقديرات أشخاصا احتُجزوا أو اختُطفوا من قبل أطراف النزاع دون أن يسمح لهم بالتواصل مع عائلاتهم، وأيضا من فُقدوا على جبهات القتال أو قُتلوا نتيجة المعارك الدائرة دون العثور على جثامينهم.

القلق يعتري معظم السوريين في كافة أنحاء البلاد نتيجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة للغاية، لكن حجم هذا القلق يتضاعف لدى العائلات المتروكة لمصير مجهول.

"كل ما نعرفه اليوم هو الانتظار والخوف، وفي معظم الأحيان اليأس"، هذا ما قالته لي نساء سوريات يعشن في العاصمة دمشق وضواحيها.

على أطراف حي كشكول العشوائي شرق دمشق، استقبلتني فاطمة سرحان بحفاوة في منزلها الصغير المكون من غرفتين، واعتذرت عن انشغالها بتهيئة ولديها وابنتها للذهاب للمدرسة، وأيضاً لذهابها هي إلى العمل.

تعيش فاطمة في هذا المنزل منذ عام 2013 حين فقدت زوجها دون أثر، أثناء معارك بلدة عدرا المتاخمة لغوطة دمشق الشرقية، ونزحت مع أبنائها الخمسة بحثاً عن بعض الأمان.

ومنذ ذلك الوقت، لا تعرف فاطمة أي خبر عن زوجها.

"ما تركنا بابا إلا وطرقناه، المخافر والمشافي والسجلات المدنية، بلا فائدة"، تقول دون أي تعابير على وجهها، كأنها اعتادت فعلاً هذا الغياب الطويل.

ورغم هذا الاعتياد الظاهر، لا تبدو الحياة سهلة بالنسبة للعائلة.

تعمل الأم الأربعينية بأشغال يومية كتنظيف المنازل أو العناية بأشخاص كبار السن، ويكسب الابن الأكبر بعض النقود من عمله الليلي في أحد المطاعم القريبة، وبالتأكيد لا يكفي ذلك لتغطية إيجار المنزل واحتياجات الطعام واللباس والتدفئة والدراسة خاصة مع الغلاء غير المسبوق الذي تشهده سوريا اليوم، ومع حاجة الأم لكثير من الأدوية مرتفعة الثمن نتيجة معاناتها بعض المشاكل الصحية.

بشكل مشابه تشرح لي، أسماء عزو، وهي من سكان غوطة دمشق الشرقية، عن حالها وأبنائها الستة بعد اختفاء زوجها منذ حوالي ثلاثة أعوام. "بالتأكيد كانت حياتنا أسهل بوجود زوجي"، تقول لي ونحن جالستان في منزلها الصغير نصف المدمر، والذي يفتقد أبسط مقومات الحياة.

لا تعرف أسماء عن زوجها أي خبر. فُقد وكانت معارك الغوطة في أوجها، ولم يتمكن أحد من العثور عليه أو حتى معرفة مصير الجثمان في حال وجوده.

وتعاني الأم الثلاثينية التي لا تحمل أي شهادة دراسية تخوّلها العمل براتب جيد من كثير من الصعوبات اليومية، وعلى رأسها تأمين دخل كافٍ للأسرة، والاستمرار بتعليم أولادها، علما أن ثلاثة منهم في سن الدراسة الآن، وهذا يعني تكاليف إضافية تتدبرها بشق الأنفس، وهي وحيدة تماماً.

تبدو الحكاية أكثر إيلاماً بالنسبة لعايدة، وهي سيدة عشرينية لم يمضِ على زواجها أكثر من أربعة أعوام، وتوقفت عن معرفة أي أنباء عن زوجها منذ حوالي عام ونصف، حين خرجت من إحدى بلدات جنوب دمشق مع انتهاء المعارك فيها، وفُقد الزوج حينها.

فضّلت عايدة عدم ذكر اسمها الكامل، وحدثتني أثناء لقاء معها في مدينة جرمانا شرق دمشق عن محاولاتها شبه اليومية للعثور على زوجها، حيث قصدت عشرات المخافر والمشافي، وسجلت طلباً في وزارة المصالحة الوطنية المسؤولة عن ملف المفقودين والمغيبين، لكن دون جدوى. "لا أحد يعرف مكانه أو سمع أي خبر عنه".

وتقول عايدة إن أصعب ما في الأمر هو الانتظار: "ماذا إن انتظرت أعواماً وأعواماً؟ ماذا سأقول لولدي وابنتي وأنا أرى الأسئلة تظهر في عيونهما بشكل أكثر وضوحاً؟".

Comments